فصل: مسألة تسليف حولي بكبير إلى أجل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي:

قلت لابن القاسم أرأيت الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي سمين جميل، ثمنه مائة دينار ببرذونين ثمن عشرين دينارا إلى أجل؛ قال لا خير فيه ولا يجوز، إلا أن يكون جوادا معروفا بالسبق فيحل. قلت فما متنهى السن الذي إذا بلغته الخيل، لم يحل قارح باثنين منها إلى أجل؟ قال إذا أجذع وركب، فقد صارت المنافع واحدة، فعند ذلك لا يحل.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه: أن الخيل ثلاثة أصناف، كبارها صنف: ذكورها وإناثها؛ وصغارها صنف: ذكورها وإناثها، والجواد منها المعروف بالسبق والجري صنف. ذكورها وإناثها؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف، جاز منها الواحد بالاثنين إلى أجل؛ فيجوز سلم الصغار منها في الكبار، والكبار في الصغار، والكبار في الكبار إذا اختلفت في الجودة والسبق، وتباينت في ذلك تباينا بعيدا.

.مسألة تسليف حولي بكبير إلى أجل:

قال ابن القاسم، أما حولي بكبير إلى أجل، فلا خير فيه؛ وأما صغيران بكبير إلى أجل، فلا بأس به؛ لأنه بيع؛ قال وإنما يجوز الحولي بالقارح، وأما القارح بحولي فلا يحل إلى أجل، ولا حولي بقارح إلى أجل؛ لأن هذا ليس بوجه بيع؛ لأنه إذا كان القارح بالحولي، فإنما هو رجل أعطى فرسا على أن يضمن له حوليا أدنى منه إلى أجل؛ فصار مبتاعا لضمان الحولي بزيادة سن القارح على الحولي؛ وإن كان حوليا بقارح إلى أجل، فإنما هو رجل زاد في سلفه، أعطاه حوليا إلى أجل على أن يقضي قارحا، ولا يكون البيع بينهما حتى يكون اثنان بواحد، وتختلف فيهما المنافع؛ فإن كان على وجه ابتغاء الفضل، كان بيعا؛ وإن لم يكن على وجه ابتغاء الفضل، كان على وجه السلف فحرم؛ لأنه إذا كان واحد باثنين، أو اثنان بواحد؛ أو صغيران بكبيرين، أو كبيران بصغيرين؛ فهو عند الناس بيع فيما تفاوت من أثمانهما وأسنانهما، فلا يكون بذلك بأس؛ قال ولا بأس بعلوين من الحمير بقارح إلى أجل؛ ولا خير في صغير بكبير، ولا كبير بصغير؛ ولا صغير بصغيرين؛ أو أكثر من ذلك إلى أجل؛ وأما كبارها بكبارها، فلا خير في ذلك واحد باثنين إلى أجل؛ قلت له إنه يكون منهما حمار يبلغ مائة دينار، وحماران ليس ثمنهما خمسة عشر دينارا، فلا يحل منهما واحد بعدة من غيرها إلى أجل؟ قال: ليس اختلاف أثمانها ولا جنسها ولا سيرها باختلاف يحل له منها واحد باثنين إلى أجل، إلا أن يكون من حمر الأعراب، فلا بأس بالحمار المصري الفاره بالأعرابيين وأكثر من ذلك؛ وأما حمر مصر، فكلها صنف واحد لا يحل منها واحد باثنين إلى أجل؛ والحمير والبغال صنف واحد لا يحل بغل بحمارين إلى أجل، ولا حمار ببغلين إلى أجل؛ إلا أن يكون كبير بصغيرين، أو صغير بكبيرين، فلا بأس به؛ وهو مثل الحمير، وهي صنفها؛ وكذلك قال لي مالك، قال عيسى إذا بان اختلاف الحمير، فأراها كالخيل والإبل، وقال أصبغ مثله.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم حمل صبيا القول في سلم الواحد في الواحد، والاثنين في الواحد، والواحد في الاثنين من الصغار في الكبار، أو الكبار في الصغار من جنس واحد مستوفى، فلا معنى لإعادته. وقوله في الحمير مثل ما له في المدونة: أنها ثلاثة أصناف: صغارها وكبارها صنفان: حمر مصر منها إلى الركوب صنف، وحمر الأعراب التي للخدمة صنف؛ وقال عيسى وأصبغ إن ما تباين من حمر مصر في السير وتفاوت فيه، يجوز بما ليس بمسيار اثنان بواحد إلى أجل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وقوله إن البغال والحمير صنف واحد، هو مثل قوله في المدونة، خلاف ما ذهب عليه ابن حبيب من أن البغال صنف على حدة، فيجوز كبارها بكبار الحمير، وصغارها بصغار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ تكلم ابن القاسم على ما يعرف بمصر من أن الحمير تتخذ للركوب كالبغال؛ وتكلم ابن حبيب على ما يعرف بالأندلس من أن الحمير لا تتخذ للركوب، وإنما هي للخدمة مع اختلاف أجناسها، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أنه راعى تشابههما في وجوه المنافع وإن افترقت أصولها؛ فقوله في البغال والحمير نحو مذهب أشهب في أن رقيق ثياب القطن والكتان صنف واحد، لتشابههما في المنفعة وإن اختلفت أصولهما؛ والذي يأتي على مذهب ابن القاسم في البغال والحمير على ما يعرف بالأندلس من أنها صنف واحد، لا يجوز صغير من البغال بصغيرين من الحمير إلى أجل وما كان يستمطى من كبار البغال صنف لا يجوز بما لا يستمطى منها، ولا بكبار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ وما لا يستمطى منها وإنما هو للخدمة، فهو مع الحمير صنف واحد، لا يجوز منها بغل بحمارين إلى أجل.

.مسألة السلف في الدجاج والحمام والأوز وجميع الطير الداجن:

قلت فالدجاج والحمام والأوز، وجميع الطير الداجن الذي يكون عند الناس، هل يحل واحد باثنين إلى أجل مثل الدجاجة البياضة المعروفة بذلك بالدجاجاتين أو الثلاث ممن ليست مثلها في كثرة ما تبيض غير أنها تبيض؛ قال لا يحل دجاجة بدجاجتين، ولا إوزة بإوزتين؛ ولا شيء من الطير الداجن واحد باثنين إلى أجل وإن تفاضلت في البيض والفراخ، ليس هذا اختلافا يحل به واحد باثنين من جنسه إلى أجل؛ ولا يحل صغير الطير بكبيره، ولا كبيره بصغيره إلى أجل؛ ولا يحل دجاجة كبيرة بفروجين، ولا فروج بدجاجتين، ولا إوزة بفرخ إوزة، ولا يحل صغير بكبير من جنسه في شيء من الطير؛ قال ابن القاسم إلا أن يكون الطير الداجن مما ليست فيه منفعة إلا اللحم، مثل الدجاجة التي لا تبيض وقد فسدت وليست تراد إلا للذبح، فإذا كان كذلك، فلا بأس أن يباع بما لا يستحيى من الطير؛ لأنه لحم كله ولا يكون ذلك إلا يدا بيد، لا يدخل في شيء منه أجل ولا تأخير على التحري.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أن ما كان من الطير الذي يقتنى للبيض أو الفرخ كالدجاج والإوز والحمام، فكل جنس منه صنف على حدة: صغاره وكباره، ذكوره وإناثه، لا يجوز بعضه ببعضه اثنان بواحد إلى أجل، وإن تفاضل في البيض والفراخ؛ فإن اختلفت الجنسان، جاز الواحد منه بالاثنين إلى أجل، وأن ما كان منها لا يقتنى لبيض ولا فرخ، فسبيله سبيل اللحم عند ابن القاسم، لا تراعى الحياة القائمة فيه إلا مع اللحم؛ وأشهب يراعيها في كل حال، فيجوز على مذهبه فيها سلم بعضها في بعض إذا اختلفت أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو لفراخ، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم حبل حبلة من سماع عيسى، فقف على ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض تحريا:

قال ابن القاسم وقد قال لي مالك إن الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض تحريا أن يكون فيما يعطى ما يأخذ مثلا بمثل، بلا كيل ولا وزن؛ قال ابن القاسم وذلك إذا بلغه التحري ولم يكثر حتى لا يستطاع أن يتحرى، وكذلك كل ما يباع وزنا ولا يباع كيلا، فإنه يجري مجرى هذا؛ وكل صنف من الطعام أو غيره مما يجوز منه واحد باثنين من صنفه، فلا بأس باقتسامه على التحري، كان مما يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن.
قال محمد بن رشد: قوله إن كل ما يباع وزنا ولا يباع كيلا مما لا يجوز فيه التفاضل، يجوز بيع بعضه ببعض على التحري، هو مثل ما في المدونة، ومثل ما مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك هنالك. وقول ابن القاسم إن ذلك إنما يجوز فيما لم يكثر حتى لا يستطاع أن يتحرى، تفسير لقول مالك؛ وكما يجوز بيع بعضه ببعض بالتحري، فكذلك يجوز اقتسامه بالتحري، وقد قال ابن حبيب إن ذلك لا يجوز، ومعنى ذلك فيما كثر، والله أعلم.
وأما ما يباع كيلا ولا يباع وزنا مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يباع بعضه ببعض بالتحري، ولا أن يقتسم على التحري؛ وأما ما يجوز فيه التفاضل، فاختلف في جواز قسمته على التحري، وبيع بعضه ببعض على التحري على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك جائز فيما لا يباع كيلا، وإنما يباع وزنا كالفاكهة، أو جزافا كالبقول؛ وهو مذهب ابن القاسم فيما حكى عنه ابن عبدوس. والثاني أن ذلك جائز فيما يباع كيلا أو وزنا أو عددا، وهو مذهب أشهب وقول ابن القاسم في هذه الرواية، وإليه ذهب ابن حبيب. والثالث أن ذلك لا يجوز فيما يباع كيلا ولا فيما يباع وزنا وعددا، وهو الذي في آخر كتاب السلم الثالث من المدونة. ودليل ما وقع في كتاب القسم من المدونة في البقول، أنه لا يجوز أن تقسم حتى تجز وتباع؛ وقد وقع في بعض الكتب حتى تجز أو تباع، فإذا ثبت الألف في ذلك، دل على جواز القسمة فيه على التحري بعد الجز على ما ذهب إليه ابن عبدوس من جواز التحري فيما لا يكال مما يجوز فيه التفاضل.

.مسألة باع ألف إردب بمائة إلى سنة فوجده يبيعه في السوق فأراد أن يشتري منه بنقد:

قال ابن القاسم قال لي مالك لو أن رجلا باع ألف إردب بمائة دينار إلى سنة، فوجده يبيعه في السوق، فأراد أن يشتري منه بنقد؛ قال إن اشترى منه بنقد بمثل الثمن الذي له عليه، وبمثل الكيل الذي باعه إياه، أو أدنى من كيله، فلا بأس به؛ فقيل لمالك فلو حل الأجل فأتاه يتقاضاه ثمنه، فلم يجد عنده ثمنا فأراد أن يأخذ منه من صنف طعامه أقل من كيله بما يسأله من الثمن؛ قال مالك لا يعجبني، قال عيسى وقد قال مالك في كتاب الرطب باليابس من سماع ابن القاسم لا بأس به.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى فيها القول مستوفى في رسم حبل حبلة؛ لأنها من جملة الفروع التي فرعنا المسألة الواقعة فيه إليها، وذكرنا حكمها وأصلها، ووجه القياس فيها، فلا معنى لإعادتها.

.مسألة خبز القمح بخبز الأرز متفاضلا:

من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى قال ابن القاسم أكره خبز القمح بخبز الأرز متفاضلا؛ لأنهما إذا صارا خبزا، فقد صارا صنفا واحدا؛ وهما عندي وما أشبهه هما يجمعه أسم الخبز، بمنزلة الخل: خل العنب والتمر والعسل وأشباه ذلك مما أصوله مختلفة؛ فإذا اجتمع خلا، جمعه الاسم والمنفعة، وحرم بعضه ببعض متفاضلا.
قال محمد بن رشد: الأخباز، والأخلال، والأنبذة، والأسوقة، لا يراعى أصولها؛ لأن المنفعة فيها واحدة؛ فلا يجوز التفاضل في الخبز، ولا في الخل، ولا في النبيذ ولا في السويق وإن افترقت أصولها فكانت مما يجوز فيه التفاضل، خلاف الزيوت يجوز التفاضل في الزيت إذا اختلفت أصوله، فكان هذا زيت زيتون، وهذا زيت فجل أو جلجلان، وما أشبه ذلك؛ هذا هو المشهور، وقد روي عن ابن القاسم أن التفاضل في الأخباز القطنية جائز باختلاف أصوله، وروى ابن جعفر الدمياطي عنه أن خبز القطنية كلها صنف، وأن خبز ما عدا القطنية من القمح والشعير والسلت والأرز والذرة والدخن صنف؛ فيجوز التفاضل في خبز ذلك كله بخبز القطنية، ولا يجوز التفاضل في أخباز القطنية، ولا في أخباز ما عدا القطنية، وإذا كانت أصول الأخباز مما يجوز فيه التفاضل، فتعتبر المماثلة في أعيان الأخباز على مذهب من لا يجيز التفاضل فيها؛ وإن كانت مما لا يجوز فيه التفاضل: مثل خبز القمح، وخبز السلت أو الشعير، فالمماثلة تكون فيها بأن يتحرى كيل ما دخل في كل واحد منهما من الدقيق على ما في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع.

.مسألة طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى:

وسئل عن طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى؟ قال لا، هو عندي بمنزلة الطعام.
قال محمد بن رشد: معناه إذا أسلم فيه، وأما إذا اشتراه بعينه فالنقد يدخل في ضمانه؛ لأنه جزاف؛ ويجوز بيعه قبل قبضه كالصبرة تشتري جزافا؛ وهذا على أصل ابن القاسم في أن هذه الحياة غير مرعية؛ وأما على مذهب أشهب، فيجوز له أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإن أسلم فيه؛ لأن الحياة فيه مرعية عنده على ما قد ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم حبل حبلة.

.مسألة الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار:

قال ابن القاسم في الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار، ثم يتعدى فيبيعها من رجل آخر بعشرة دنانير نقدا، أن المشتري الأول أحق بسلعته ما لم تفت؛ فإن فاتت خير، فإن شاء أخذ العشرة الدنانير من البائع، وأعطاه عند الأجل عشرة ليس له عليه غيرها، ويوضع عنه التسعون التي أراد أن يربي له بها عليه؛ وإن كانت قيمة السلعة أكثر من العشرة الدنانير التي باعها بها نقدا، كان للمشتري الأول أن يغرم للبائع تلك القيمة ولا يقضيه عند حلول أجل المائة إلا القيمة التي قبض من البائع، لا يصلح للمشتري أن يرد على البائع عند الأجل المائة، إلا قرر ما قبض منه من عدة الدنانير العشرة التي باع بها نقدا، أو القيمة إن كان قبض منه القيمة وليس للبائع أن يأبى دفع ذلك إليه، وليس له أن يتعجل قبض ذلك منه قبل الأجل، ولا أن يزداد عليه أكثر مما دفع إليه.
قال محمد بن رشد: جعل ابن القاسم تعدي البائع على السلعة وبيعها بالنقد بعد أن كان باعها بثمن إلى أجل إذا اختار المشتري الأول أن يجيز البيع ويأخذ الثمن الذي باعها به نقدا، أو القيمة إن كانت قد فاتت وهي أقل من الثمن الذي كان اشتراها به؛ بمنزلة إذا اشتراها منه بالنقد بعد أن كان باعها منه بثمن إلى أجل، وأنهما على القصد إلى دفع دنانير في أكثر منها إلى أجل؛ فقال إنه يقضى له على البائع إن كانت السلعة قد فاتت بالأكثر من الثمن الذي باعها به أو القيمة، ولا يأخذ منه عند الأجل إلا ذلك، ويطرح عنه الزائدة ويدخل في هذا من الاختلاف ما يدخل فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها بأقل من ذلك نقدا وفاتت السلعة؛ وذلك ثلاثة أقوال، أحدها هذا؛ والثاني أنه يفسخ البيع الأول إذا أبى المبتاع الأول من أخذ سلعته وأراد أخذ الثمن، أو فاتت وأراد أخذ القيمة؛ وإن كانت القيمة أكثر من الثمن، فلا يحكم له على البائع بشيء من ذلك ويسقط عنه الثمن؛ وهو الذي يأتي على ظاهر ما في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وما في رسم القطعان من سماع عيسى. والثالث الفرق بين أن تكون القيمة أو الثمن أكثر من الثمن الذي عليه إلى الأجل وأقل، فإن كان أقل فسخ البيع الأول وسقط عنه الثمن ولم يقض له بقيمة ولا ثمن؛ وإن كان أكثر، قضى له بأخذ القيمة أو الثمن؛ فإذا حل الأجل أدى ما عليه حسبما مضى القول فيه في رسم حلف المذكور، وقد قيل إن عدا البائع على السلعة، بخلاف شرائه لها، فلا يتهمان مع العداء، ويحكم له بأخذ الثمن أو القيمة إن كانت السلعة قد فاتت، ويكون عليه إذا حل الأجل الثمن الذي كان عليه وإن كان أكثر مما قبض من القيمة أو الثمن.

.مسألة يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل:

وقال ابن القاسم في الرجل يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل، وللمشتري على البائع مائة مثلها إلى ذلك الأجل أو حالة، فاستقال المشتري البائع من العبد، فقال البائع لا أقيلك إلا أن تضع عني المائة الدينار التي لك علي؛ فقال المشتري قد فعلت؛ إن ذلك جائز؛ لأنه رجل قضاه ما له عليه من المائة الدينار، وزاده مع القضاء عطية العبد؛ وإنما يجوز ذلك إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع حالة أو إلى أجل ثمن العبد، وكان ما لكل واحد منهما على صاحبه متكافئا؛ ألا ترى أنها إذا كانت حالة، فقد عجل له قضاء مائة محاها عنه بمائة كانت له عليه إلى أجل، وأعطاه العبد بلا ثمن أخذه منه؛ وكذلك أيضا إذا كانت إلى أجل ثمن العبد، فهو يمحو عنه المائة بالمائة التي قبله ويزيده العبد بلا ثمن؛ ولم يدخل ذلك شيء من المكروه، قال وإن كان للمشتري قبل البائع أكثر من المائة التي عليه من ثمن العبد حالة أو إلى أجل ثمن العبد؛ فاستقاله على أن وضع ذلك عنه، فهو مثل ما وصفنا من المسألة الأولى حلال جائز؛ قال وإن اختلفت الآجال، فكان الذي بكل واحد على صاحبه مثل الذي لصاحبه عليه أو أقل أو أكثر، لم يصلح له أن يقيله على أن يفسخ المشتري عن البائع دينه الذي له عليه؛ وذلك أن يبيع الذهب بالذهب إحداهما معجلة والأخرى إلى أجل يدخله؛ ألا ترى أنه إذا كانت مائة المشتري على البائع إلى شهر، وقد وجبت عليه مائة من ثمن العبد إلى سنة، فاستقاله على أن محا عنه المائة التي إلى شهر، فإنما اشترى المائة التي عليه إلى سنة بالعبد الذي رد، وبمائة يقاصه بها إلى شهر؛ وكذلك إن كانت مائة المشتري على البائع إلى أبعد من أجل ثمن العبد لم يصلح أيضا، ولا تصلح هذه الإقالة على فسخ ما للمشتري على البائع حتى يكون حقه حالا أو إلى أجل ثمن ما اشترى.
قال محمد بن رشد: أما إذا كانت مائة المشتري على البائع حالة، فجواز ذلك بين لا أشكال فيه؛ لأن المبتاع عجل للبائع المائة التي عليه إلى أجل، إذ أعطاه بها المائة التي له عليه حالة؛ وله أن يعجلها فعجل له ما من حقه تعجيله وزاده مع التعجيل عطية العبد، وكذلك إن كان الذي للمشتري على المائع أكثر من مائة؛ لأنه عجل له حقه ووضع عنه الزائد، وزاده عطية العبد، وأما إن كان الذي للمشتري على البائع أقل من مائة، فلا يجوز بحال؛ لأن البائع يصير قد أخذ من المائة التي له أقل من مائة والعبد، فيدخله عرض وذهب بذهب إلى أجل، وضع وتعجل؛ وأما إذا كانت المائة التي له عليه إلى أجل ثمن العبد، فقال إن ذلك جائز؛ لأنه محا عنه المائة بالمائة، وزاده العبد؛ وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن محو المائة عنه بالمائة ليس من حقه، فصار البائع إنما أجابه إلى المقاصة على أن أخذ منه العبد؛ ولعله خشي هو إن لم يقاصه أن يقوم عليه الغر ماء قبل حلول الأجل، فيتحاص معهم في المائة التي عليه؛ فرضي أن يعطيه العبد على أن يقاصه بالمائة في المائة، ليتخلص بالمائة التي عليه دون الغرماء، فيدخله ذهب وعرض بذهب؛ وهذا بين، فلا فرق في القياس بين أن تكون مائة المشتري على البائع إلى أجل ثمن العبد، أو إلى دونه إذا لم تكن حالة؛ وأما إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع إلى أبعد من أجل ثمن العبد، أو إلى دونه؛ فالمكروه في ذلك بين؛ لأنه أخذه بالمائة التي وجبت عليه من ثمن العبد إلى أن يحل أجل المائة التي عليه، فتكون مقاصة على أن يعطيه العبد فتدخله الزيادة في السلف وبيع ذهب وعرض بذهب إلى أجل.

.مسألة يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدا:

وسألته عن الرجل يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدا على أن يسلف المشتري البائع عشرة دنانير إلى أجل ثمن السلعة، ففاتت السلعة أو لم تفت؛ فقال: أما إذا كان السلف شرطا في أصل البيع إلى أجل ثمن السلعة بعينه، وعلى أن يتقاضى بما صار لكل واحد منهما على صاحبه فلا بأس به، ولا يفسخ البيع، فاتت السلعة أو لم تفت؛ وذلك أن فعلهما وقع على وجه الحلال وإن قبح كلامهما؛ ألا ترى أنه إنما اشترى السلعة بعشرة دنانير نقدا وبثوب نقدا؛ لأن أجل السلف وأجل ثمن السلعة واحد؛ فهذا إذا حل الأجل لم يكن لواحد منهما على صاحبه شيء؛ قلت فإن باعها إياه بعشرة إلى شهر وبثوب نقدا على أن يسلفه خمسة دنانير إلى ذلك الأجل؟ قال وهذا أيضا مثل الأول لا بأس به، إنما باعها إياه بخمسة وثوب نقدا، وبخمسة إلى أجل؛ قال فإن اختلفت الآجال، لم يجز البيع؛ لأنه يصير بيعا وسلفا؛ ألا ترى لو باعه إياها بعشرة إلى شهر على أن يسلفه المشتري عشرة إلى شهرين أو إلى عشرين يوما، أن كل واحد منهما يقتضي حقه من صاحبه عند محل أجله، ولا تصلح فيه المقاصة لاختلاف الآجال، فهو البيع والسلف؛ فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع وردت؛ وإن فاتت رد السلف ونقض البيع، وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم قبضها؛ قلت أرأيت إن باعها إلى شهر بعشرة دنانير على أن يسلفه مائة درهم إلى شهر والصرف عشرة دراهم بدينار؛ قال هذا لا خير فيه ذهب بوزن إلى أجل.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن الآجال إذا اختلفت يدخله بيع وسلف، إذ لا تكون في ذلك مقاصة، لاختلاف الآجال؛ وأما قوله إن السلعة إن لم تفت فسخ البيع وردت، وإن فاتت رد السلف ونقض البيع وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم قبضها؛ فالظاهر منه أن البيع يفسخ على كل حال- ما كانت السلعة قائمة، ولا يكون في ذلك خيار لمشترط السلف، وتكون فيها القيمة إن فاتت بالغة ما بلغت؛ ومثله في العشرة ليحيى عن ابن القاسم على حكم البيع الفاسد لغرر يكون فيه، أو فساد في ثمن أو مثمون، خلاف المشهور في المذهب من أنه لا يفسخ إذا أرضى مشترط السلف بتركه على مذهب سحنون، أو رده على مذهب ابن القاسم إن كان قد قبضه. يريد ما لم يمض أجله، أو مقدار ما يرى أنه أسلفه إليه؛ فإن فاتت السلعة كان فيها الأكثر من القيمة، أو الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، أو الأقل من القيمة، أو الثمن إن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع حكم بيوع الثنيا في المشهور من الأقوال فيها؛ وقد قيل إن البائع إن كان هو مشترط السلف وفاتت السلعة، كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أكثر من الثمن والسلف، فلا يزاد البائع على ذلك شيئا؛ وإن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع، كان فيها الأقل من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أقل من الثمن بعد أن يطرح منه السلف، فلا ينقص المبتاع من ذلك شيئا، وهو قول أصبغ؛ ويتخرج في المسألة قول ثالث وهو أن يرجع مشترط السلف منهما على صاحبه بقدر ما نقصه أو زاده بسبب الشرط؛ ووجه العمل في ذلك، أن تقوم السلعة بشرط السلف ودون شرط، فيؤخذ اسم ما بين القيمتين من الثمن، ويرجع بذلك البائع على المبتاع إن كان هو مشترط السلف؛ والمبتاع على البائع إن كان هو مشترط السلف؛ وقال سحنون إذا قبض السلف وغيب عليه، فقد تم الحرام بينهما ووجب فسخ البيع على كل حال ما كانت السلعة قائمة؛ وأن تكون فيها القيمة بالغة ما بلغت إذا كانت قد فاتت، هو مذهب ابن حبيب، ووجه رواية يحيى أن البيع والسلف يؤول الأمر فيه إلى الفساد في الثمن أو المثمون؛ لأن البائع إن كان هو مشترط السلف على المبتاع، فكأنه قد باع منه سلعة نجما سمى من الثمن، وبما يربح في السلف إلى الأجل الذي سمى السلف إليه؛ وإن كان المبتاع هو مشترط السلف على البائع، فكأنه قد اشترى منه السلعة وما يربح في السلف بما سمى من الثمن؛ فوجب أن يفسخ البيع على كل حال في القيام، وأن تكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ ووجه القول الثاني أن السلف قد لا يزيده مشترطه ليتجر به، وإنما يزيده لغير ذلك من الوجوه، فلا يؤول ذلك إلى فساد في الثمن ولا في المثمون، ويكون البيع على ذلك من بيوع الثنيا؛ وأما إذا اشترى السلعة بعشرة دنانير إلى شهر على أن يسلف للبائع مائة درهم إلى ذلك الأجل، والصرف عشرة دراهم بدينار؛ فإن الجواب فيها سقط من بعض الروايات، وثبت في بعضها وهو صحيح، إذ لا يوجب الحكم المقاصة بالدينار من الدراهم؛ ولو وقع البيع بشرط المقاصة، لوجب أن يجوز وإن قبح اللفظ؛ لأن مآل أمرهما إلى أن باع منه السلعة بمائة درهم نقدا، وقد قال ذلك ابن أبي زيد.

.مسألة خل التمر بنبيذ التمر:

قال ابن القاسم لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل لأن حالهما متقاربة؛ ولا خل التمر بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛ لأن منفعتهما متقاربة.
قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وكذلك على قياس قوله لا يجوز خل الزبيب بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛ وإذا لم يجز خل التمر بنبيذ التمر، ولا خل الزبيب بنبيذ الزبيب متفاضلا، لقرب ما بينهما؛ وكان التمر بنبيذ التمر، والزبيب بنبيذ الزبيب، لا يجوز على حال، لقرب ما بينهما؛ وجب ألا يجوز خل التمر بالتمر، ولا خل الزبيب بالزبيب على حال أيضا، لقرب ما بينهما؛ بخلاف خل العنب بالعنب، وهو نحو قول ابن الماجشون؛ لأنه لم يجز خل التمر بالتمر إلا في اليسير، ومنع منه في الكثير؛ وكذلك الرقيق بالحنطة عنده، رواه أبو زيد عنه، خلاف ما في المدونة من أن خل التمر بالتمر متفاضلا جائز، كخل العنب بالعنب؛ والفرق بين خل العنب بالعنب، وبين خل التمر على هذه الرواية، ما قيل إن خل التمر والزبيب والتين تخليله متقارب، بخلاف خل العنب؛ والى هذا ذهب الفضل، واستحسن هذه الرواية لهذا المعنى؛ ويحتمل أن يفرق بين المسألتين بأن يقال إن النبيذ لا يصلح بالتمر لقرب ما بينهما، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، لقرب ما بينهما أيضا، ويصلح التمر بالخل لأنه يبعد ما بينهما، وذلك أن الخل والتمر طرفان بعيد ما بينهما، فيجوز التفاضل بينهما؛ والنبيذ واسط بينهما يقرب من كل واحد منهما، فلا يجوز بالتمر على حال، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، وهذا أظهر لما وقع في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات من أنه لا بأس بخل التمر بالتمر، ولا يجوز النبيذ بالتمر، ففرق بين المسألتين؛ فلا يكون على هذا التأويل ما في المدونة من جواز الخل بالتمر مخالفا لقوله في هذه الرواية إنه لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وأما خل التمر بنبيذ الزبيب، فإنما لم يجز إلا مثلا بمثل، من أجل أن أحوالهما متقاربة، لا من أجل أن منفعتهما متقاربة كما قال في الرواية؛ فالجواب صحيح، والتعليل غير صحيح؛ لأن منفعة الخل متباينة لمنفعة النبيد.

.مسألة يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة:

وسئل عن رجل يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة، أترى الدين بالدين يدخل هذا؟ فقال: أما السكنى القريب والأشهر اليسيرة، فلا بأس به؛ قال وقد سمعت مالكا وربما خفف السنة وهو أبعد ذلك عندي.
قال محمد بن رشد: لم يخفف إلا الأشهر والسنة، وكره ما هو أبعد من ذلك، من أجل أن الدين بالدين يدخله عنده في البعيد، ولا مدخل للدين بالدين في ذلك؛ لأن ضمان الدار من المشتري، وإن استثنى البائع سكناها؛ ولو كان الضمان فيها من البائع إلى انقضاء استثنائه، لما دخل ذلك أيضا الدين بالدين إلا على قياس رواية أصبغ التي تقدمت في رسم أوصى من سماع عيسى، وذلك خلاف لما في المدونة؛ فلا فرق في هذا بين أن يشتري الدار بدين أو أن ينقده، وإنما كره مالك أن يستثنى سكنى أكثر من السنة. لأنه رأى أن الدار يتغير بناؤها إلى هذه المدة، فلا يدري المشتري كيف ترجع إليه الدار التي اشترى؛ فهذا هو الأصل في هذه المسألة، أنه يجوز للبائع أن يستثني من المدة ما يؤمن تغيير بناء الدار فيها؛ وفد اختلف في حد ذلك اختلافا كثيرا، فلابن شهاب في المدونة إجازة ذلك العشرة الأعوام، ومثله لابن القاسم في كتاب ابن المواز؛ ويقوم ذلك من كتاب العارية من المدونة؛ لأنه أجاز فيه أن يعير الرجل الرجل الأرض على أن يبني فيها ويسكنها عشر سنين إذا بين البنيان ما هو، وهو قول المغيرة؛ وأجاز ذلك سحنون في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة في الخمسة الأعوام، وقد روى ابن وهب عن مالك السنة ونصف؛ وينبغي أن ينظر في هذا إلى حسن البناء وتحصينه، فرب بناء يتغير إلى المدة القريبة، ورب بناء لا يتغير المدة الطويلة. وأما بيع الأرض واستثناؤها أعواما، فهو أخف يجوز في العشرة الأعوام؛ وهو قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ من كتاب الحبس، ومثله في كتاب ابن المواز؛ وقال المغيرة يجوز في ذلك السنين ذوات العدد، ولا يجوز في الدار إلا العشر سنين ونحوها؛ ولابن القاسم في المدنية لا يجوز ذلك في الأرض ولا في الدار أكثر من السنة، وهو بعيد وشاذ في الأرض، والله الموفق.